صخر و كريستال
اعتقد أن كل إنسان فوق هذه المعمورة يحمل قطعة مني لو أني جمعت كل تلك القطع لوجدت نفسي كما أنا
كلنا نتشابه و نختلف نتصارع و نتكامل
نبكي و نضحك نثور و نساير نركب قواربا و نودع سفنا نبقى وحدنا على الميناء حتى نقرر الرحيل مرة ثانية إلى طريق آخر قد يوصلنا إلى ميناء آخر أو قد يرمينا نتلاطم مع الامواج
نهجر الموانئ لنمشي في مسالك صعبة و كلنا أمل أن نجد واحة خضراء نرتاح فيها و نرتوي من مائها ثم نودعها لنغترف من رمال الصحراء و نعود مرة أخرى اليها لنحتمي تحت ظلها
إنها الحرية التي نعشقها و شخصنا الذي نحلم به وكأنه و ليد أنجبناه نرضعه تارة و نتركه ينام تارة أخرى
تدمع العين و يعتصر القلب و يبكي الوليد و مامن مجير ثم تضحك العيون و تلوح الأيادي و تفتح الأحضان لتتلاشى مرة أخرى و يعاود الطفل البكاء و هكذا دواليك
في الصحراء نبني قصورا من الرمل الأصفر
تشع القصور بلون الذهب الخالص نفتح أبوابها نسكنها و نمتلكها و ننصب أنفسنا ملوكا و أمراء ثم تأتي الريح فتتلاشى كل القصور وتتناثر حبيبات الرمل و بريقها يسطع مع كل خيط من خيوط الشمس و هي تتلاعب في شعر الأميرة التي لم يبق لها سوى الهروب
تجري تائهة حتى تصل إلى المدينة تتبعها نظرات غريبة فمالها إلا أن تنزع التاج و تواري بريقها تحت جلد الحمار فيتحول لونها اللامع إلى لون رمادي
باهت كلون أيامها القادمة
أعداؤها في المدينة زادوا
تحارب و تقاتل تقاوم و تندد ثم تخرج الرايات وتنزع جلد الحمار على كتفيها لترتدي ثوبا ابيضا تمسح فيه فكرها و تذرف آخر دمعة و لن تكون كذلك
تنظر إلى السماء و تترك روحها تحلق فيها لترتاح ثم لا تلبث أن تتساقط الأمطار و تضرب روحها في جسدها المنهار و يجرفها السيل إلى البحر مرة أخرى
هنالك تقرر أن تكون صخرة صماء لتكمل عمرها دون عذاب فقد كرهت سماع صوت الأنين
تترك الموج ينحت فيها تتحداه بهدوء ولم تكن تدرك أن لكل صخرة تاريخ
كم شهدت من مد و جزر
شربت من ماء البحر حتى الثمالة
فلم تعد تحتمل
فتحت عينها تبحث عن صديق فلم تجد سوى ذلك البيت المنعزل على الشاطىء و هو يعاني من ضربات الموج و يحاول الصمود
تنظر اليه
عذابه يقوضها تتذكر من تكون و هي ترى زجاج نوافذه يرتطم على وجهها لينحت فيه أكثر فاكثر
الم قديم تناسته لكنها الان لا تحتمله
هنالك تنفجر
فتلتحق روحها بذلك الجسد المهجور
وتصرخ
يا عزيزي
هذه هي الحياة
كلنا
صخر و كريستال
تمتزج الآن مع رمل البحر المبلل
و تستنشق الهواء وترحل مع الأمواج هي الان ترفض ان تغمض عينيها ترفض ان تبقى في نفس المكان يعاودها الحنين
فتتشبث في قطعة اللوح التي جاءت من اشلاء ذلك البيت المهجور و تذهب معها في رحلة لتصل بها الى ميناء اخر لتعاود رحلة جديدة
........